نبوغ أفلاطون وأسلوبه ككاتب واضح في محاوراته السقراطية (نحو ثلاثين محاورة) التي تتناول مواضيع فلسفية مختلفة: المعرفة، المنطق، اللغة، الرياضيات، الميتافيزقياء، الأخلاق والسياسة .
لقد أسس أفلاطون الفلسفة المثالية وعرف الفلسفة بأنها السعى الدائم لتحصيل المعرفة الكلية الشامله التي تستخدم العقل وسيلة لها وتجعل الوصول إلى الحقيقة أسمى غاياتها.
أوجد أفلاطون ماعُرِفَ من بعدُ بطريقة الحوار، التي كانت عبارة عن دراما فلسفية حقيقية، عبَّر من خلالها عن أفكاره عن طريق شخصية سقراط، الذي تمثَّله إلى حدِّ بات من الصعب جدًّا التمييز بين عقيدة التلميذ وعقيدة أستاذه الذي لم يترك لنا أيَّ شيء مكتوب، بخلاف أفلاطون الذي ينسب إليه نحو أربعين كتابا، بينها سبع وعشرون محاورة موثوقة، في حين يعد الباقي إما مشكوكاً في نسبته إليه وإما منحولاً عليه بالكامل. وتتألق في الحوارات الأولى، المسماة "السقراطية"، صورة سقراط التي تتخذ طابعًا مثاليًّاً؛ كما تتضح من خلالها نظريته في الصُوَر المعقولة أو المُثُل التي هي أساس فلسفته.
تميِّز الميتافيزياء الأفلاطونية بين عالمين: العالم الأول، أو العالم المحسوس، هو عالم التعددية، عالم الصيرورة والفساد. ويقع هذا العالم بين الوجود واللاوجود، ويُعتبَر منبعًا للأوهام (معنى استعارة الكهف) لأن حقيقته مستفادة من غيره، من حيث كونه لا يجد مبدأ وجوده إلا في العالم الحقيقي للـمُثُل المعقولة، التي هي نماذج مثالية تتمثل فيها الأشياء المحسوسة بصورة مشوَّهة. ذلك لأن الأشياء لا توجد إلاَّ عبر المحاكاة والمشاركة، ولأن كينونتها هي نتيجة ومحصلِّة لعملية يؤديها الفيض، كـصانع إلهي، أعطى شكلاً للمادة التي هي، في حدِّ ذاتها، أزلية وغير مخلوقة (تيميوس).
هذا ويتألف عالم المحسوسات من أفكار ميتافيزيائية (كالدائرة، والمثلث) ومن أفكار "غير افتراضية" (كالحذر، والعدالة، والجمال، إلخ)، تلك التي تشكِّل فيما بينها نظامًا متناغمًا، لأنه معماري البنيان ومتسلسل بسبب وعن طريق مبدأ المثال السامي الموحَّد الذي هو "منبع الكائن وجوهر المُثُل الأخرى"، أي مثال الخير.
لكن كيف يمكننا الاستغراق في عالم المُثُل والتوصل إلى المعرفة؟ في كتابه فيدروس، يشرح أفلاطون عملية سقوط النفس البشرية التي هَوَتْ إلى عالم المحسوسات – بعد أن عاشت في العالم العلوي - من خلال اتحادها مع الجسم. لكن هذه النفس، وعن طريق تلمُّسها لذلك المحسوس، تصبح قادرة على دخول أعماق ذاتها لتكتشف، كالذاكرة المنسية، الماهية الجلية التي سبق أن تأمَّلتها في حياتها الماضية: وهذه هي نظرية التذكُّر، التي يعبِّر عنها بشكل رئيسي في كتابه مينون، من خلال استجواب العبد الشاب وملاحظات سقراط الذي "توصل" لأن يجد في نفس ذلك العبد مبدأً هندسيًّا لم يتعلَّمه هذا الأخير في حياته.
إن فنَّ الحوار والجدل، أو لنقل الديالكتيكا، هو ما يسمح للنفس بأن تترفَّع عن عالم الأشياء المتعددة والمتحولة إلى العالم العياني للأفكار. لأنه عن طريق هذه الديالكتيكا المتصاعدة نحو الأصول، يتعرَّف الفكر إلى العلم انطلاقًا من الرأي الذي هو المعرفة العامية المتشكِّلة من الخيالات والاعتقادات وخلط الصحيح بالخطأ. هنا تصبح الرياضيات، ذلك العلم الفيثاغوري المتعلق بالأعداد والأشكال، مجرد دراسة تمهيدية. لأنه عندما نتعلَّم هذه الرياضيات "من أجل المعرفة، وليس من أجل العمليات التجارية" يصبح بوسعنا عن طريقها "تفتيح النفس للتأمل وللحقيقة". لأن الدرجة العليا من المعرفة، التي تأتي نتيجة التصعيد الديالكتيكي، هي تلك المعرفة الكشفية التي نتعرَّف عن طريقها إلى الأشياء الجلية.
لذلك فإنه يجب على الإنسان - الذي ينتمي إلى عالمين – أن يتحرر من الجسم (المادة) ليعيش وفق متطلبات الروح ذات الطبيعة الخالدة، كما توحي بذلك نظرية التذكُّر وتحاول البرهنة عليه حجج فيدون. من أجل" فإن الفضيلة، التي تقود إلى السعادة الحقيقية، تتحقق، بشكل أساسي، عن هي التناغم النفسي الناجم عن خضوع الحساسية للقلب الخاضع لحكمة العقل. وبالتالي، فإن هدف الدولة يصبح، على الصعيد العام، حكم المدينة المبنية بحيث يتَّجه جميع مواطنيها نحو الفضيلة.
هذا وقد ألهمت مشاعية أفلاطون العديد من النظريات الاجتماعية والفلسفية، بدءًا من يوطوبيات توماس مور وكامبانيلا، وصولاً إلى تلك النظريات الاشتراكية الحديثة الخاضعة لتأثيره، إلى هذا الحدِّ أو ذاك. وبشكل عام فإن فكر أفلاطون قد أثَّر في العمق على مجمل الفكر الغربي، سواء في مجال علم اللاهوت (المسلم أو اليهودي أو المسيحي) أو في مجال الفلسفة العلمانية التي يشكِّل هذا الفكر نموذجها الأول.
نظرية المعرفة عند أفلاطون
يعنى أفلاطون بموضوع المعرفة في محاورات عديدة فيبين أنواعها المختلفة ويرتبها درجات حسب قيمتها في الكشف عن الحقيقة ويهتم اهتماماً بالغاً بتعريف العلم الفلسفي اليقيني وبالتمييز بينه وبين أنواع المعرفة الأخرى الشائعة عند معاصريه. ونقطة البداية في نظرية المعرفة الأفلاطونية تتلخص في إثار الشك في العالم الحسي، وذلك حتى يعلم السائر في طريق التفلسف أن العالم الذي يعيش فيه هو عالم زيف وخداع. ويقيم أفلاطون تصنيف لأنواع المعرفة في العلوم المختلفة على أساس تفرقته الميتافزيقية بين العالم لمرئي والعالم المعقول فيسمى المعرفة التي تتناول العالم الحسي بالظن.أما المعرفة التي تتناول اللامرئي والمعقول بالعلم أو بالتعقل.ولكي يوضح هذين النوعيين من المعرفة يقول لنتصور مستقيماً(أب)نقسمه أربعة أقسام بواسطة الرموز(جـ، د، هـ)
فالقسم الأول يرمز للأشباح والظلال المنعكسة عن العالم المحسوس والمعرفة التي تتناولها يسميها وهم.
القسم الثاني والقسم الذي يليه في المرتبة يشير لموجودات العالم الحسي المرئي ومعرفتها ظن.
القسم الثالثويشير إلى التصورات الرياضية ومعرفتها فكر استدلالي
القسم الرابعويشير إلى المعقولات التي هي أقرب إلى الميادئ والتي هي موجودة بغير حاجة للمحسوس فهى عالم المثل ومعرفتها تعقل.
وعلى الرغم من هذه القسمة الرباعية إلا أن أهم مستويات المعرفة التي يعنى أفلاطون بدراستها ونقدها وهى الخبرة الحسية والاستدلال العقلى ثم المعرفة الحدسية التي هي رؤية مباشرة لعالم المثل.
المصادر:
محاضرات في الفلسفة اليونانية
مؤلفات أفلاطون.
تعليقات
إرسال تعليق