وُلد الإسكندر في مدينة پيلا عاصمة مملكة مقدونيا. والده هو الملك فيليپ الثاني المُلقب بالأعور، ووالدته هي أوليمپياس ابنة نيوبطليموس الأول ملك إقليم إيپيروس، وهي الزوجة الرابعة لفيليپ. وعلى الرغم من أن الأخير كان متزوجًا بسبع أو ثمانية نساء، إلا أن أوليمپياس كانت المفضلة لديه وأقربهنّ إليه لفترة من الزمن على الأقل، ويُرجح أن سبب ذلك هو إنجابها لوريث ذكر له، هو الإسكندر.
تحيط عدّة أساطير بولادة الإسكندر وبنشأته. فوفقًا للكاتب الإغريقي القديم پلوتارخ، رأت أوليمپياس في نومها في ليلة زواجها من فيليپ أن صاعقةً أصابت رحمها، فتولّدت عنها نارًا انتشرت في كل مكان قبل أن تنطفئ. وبعد مرور فترة على الزواج، قيل أن فيليپ رأى نفسه في المنام وهو يختم رحم زوجته بخاتم عليه صورة أسد. قدّم پلوتارخ في كتاباته عدّة تفسيرات لتلك المنامات، منها: أن أوليمپياس كانت حاملاً من قبل الزواج، وما يدل على ذلك هو رحمها المختوم؛ أو أن والد الإسكندر الحقيقي هو زيوس كبير آلهة الإغريق. انقسم الإخباريون القدماء حول ما إذا كانت أوليمپياس قد نشرت قصة أصول الإسكندر الإلهية، وأكدتها للإسكندر نفسه، أو أنها رفضت هذا التفسير أساسًا واعتبرته كفرًا.
كان فيليپ الثاني يُحضر لحصار مستعمرة پوتيدايا الواقعة على شبه جزيرة خالكيذيكي، في يوم ولادة ابنه. وفي ذات اليوم تلقى خبرًا مفاده أن أحد أبرز قادة جيشه، وهو پارمنيون، انتصر على جيش مكون من حلف من الأليريين والپايونيانيين وردّهم على أعقابهم، وأن خيوله فازت في السباق المنظم كجزء من الألعاب الأولمبية. يُقال أيضًا، أنه في هذا اليوم احترق هيكل أرتميس، أحد عجائب الدنيا السبعة، في أفسس، وقد جعلت هذه الواقعة المؤرخ إيگيسياس المگنيزي يقول أن الهيكل احترق لأن أرتميس كانت غائبة عنه لتشهد ولادة الإسكندر وتعين والدته على تحمّل آلام المخاض. يُحتمل أن تكون هذه الأساطير قد برزت إلى حيّز الوجود عندما اعتلى الإسكندر عرش المملكة ونمت مع كل فتح جديد، بل قد يكون هو من أشاعها عمدًا، ليؤكد أنه فوق مستوى البشر العاديين، وأنه قد قُدّر له أن يكون عظيمًا منذ أن حملت به امه.
تربّى الإسكندر خلال السنوات الأولى من حياته على يد مرضعة وخادمة تُدعى لانيك، وهي شقيقة كليتوس الأسود، أحد القادة المستقبليين في جيش الإسكندر. وفي وقت لاحق، تتلمذ الإسكندر على يديّ ليونيدس الإيپروسي، وهو أحد أقارب أمه، وليسيماخوس، أحد قادة الجيش العاملين في خدمة والده. نشأ الإسكندر نشأة الشباب المقدونيين النبلاء، فتعلّم القراءة والكتابة، وعزف القيثارة، وركوب الخيل، والمصارعة، والصيد.
عندما بلغ الإسكندر عامه العاشر، أحضر أحد التجار الثيساليين حصانًا مطهمًا إلى الملك فيليپ، وعرض أن يبيعه إياه مقابل ثلاثين طالن. وعندما حاول الملك ركوب الحصان قاومه الأخير ورفض أن يسمح له أو أي شخص آخر بامتطائه، فأمر الملك بذبحه كونه جامح لا يُروّض. غير أن الإسكندر طلب من والده أن يسمح له بمحاولة تهدئة روعه وركوبه، قائلاً أن الفرس خائف من ظله، فقبل فيليپ وسمح لولده أن يحاول ترويض الحيوان، فنجح وانصاع له الحصان انصياعًا تامًا. يقول پلوتارخ أن فيليپ من شدّة ابتهاجه بالشجاعة والتصميم الذي أظهره ابنه، قبّله وأذرف الدمع قائلاً: يا بنيّ، عليك أن تجد مملكة تسع طموحك. إن مقدونيا لصغيرة جدًا عليك، ثم اشترى الحصان ومنحه لولده. أطلق الإسكندر على حصانه اسم بوسيفالوس ، بمعنى رأس الثور. لازم هذا الحصان الإسكندر طيلة أيام حياته وحمله في أغلب غزواته، وعندما نفق في نهاية المطاف بسبب تقدمه بالسن، أطلق الإسكندر اسمه على إحدى المدائن التي أسسها، ألا وهي مدينة بوسيفلا، التي كانت واقعة شرق نهر السند.
يجمع المؤرخون على أن الإسكندر استحق لقب الأكبر أو الكبير عن جدارة، بسبب نجاحه العسكري منقطع النظير، فهو لم يخسر معركة قط، على الرغم من أن أغلب الجيوش التي قاتلها فاقت جيشه عددًا وعدّة، وذلك يعود إلى حسن استغلاله لأراضي الوقعات، ولتدريبه فيالق المشاة والخيالة على استخدام تكتيكات فذّة، ولاستراتيجياته الجسورة المقدامة، وللولاء الأعمى الذي كنّه له جنوده. سلّح الإسكندر فيالقه برماح طويلة تصل إلى 6 أمتار (20 قدمًا)، وكانت هذه الفيالق قد تدرّبت على القتال تدريبًا صارمًا منذ أيام فيليپ الثاني، حتى بلغت أعلى درجات كمال الجيوش في عصرها، فكان تحركها سريعًا وقدرتها على المناورة في أرض المعركة كبيرة، وقد استغل الإسكندر هذه الأمور ليتفوق على القوّات الفارسية الأكبر عددًا والأكثر تباينًا من كتائبه المتجانسة. أدرك الإسكندر أيضًا إمكانية وقوع شقاق في جيشه بسبب تنوعه العرقي واللغوي واختلاف أسلحته، فذلل هذه المشكلة عبر انخراطه شخصيًا في المعارك، بصفته ملك مقدوني.
عندما خاض الإسكندر أولى معاركه في آسيا، أي معركة نهر گرانيکوس، استخدم قسمًا صغيرًا من جيشه، تألّف من 13.000 من المشاة، و 5.000 فارس، على الأرجح، فيما بلغ عديد قوّات الفرس 40.000 جندي. جعل الإسكندر فيلق الرمّاحين يتمركز في الوسط، ووضع الرماة والفرسان على الجناحين، بحيث أصبح طول خط جيشه يتساوى مع خط الخيّآلة الفرس، بطول 3 كيلومترات (1.86 ميلاً) تقريبًا. أما الفرس فجعلوا مشاتهم يتمركزون خلف الخيّآلة، مما ضمن للإسكندر عدم إمكانيتهم الالتفاف حوله، وكان لفيالقه الأفضلية على فيالقهم، بسبب تسلحهم بالرماح الطويلة، التي جعلتهم ينالون من عدّة جنود فرس قبل أن يقتربوا منهم، فيما كان أولئك الأخيرين يحتاجون إلى الاقتراب من المقدونيين حتى يتمكنوا من طعنهم بسيوفهم ورماحهم القصيرة. كانت خسائر المقدونيين في هذه المعركة تافهة إذا ما قورنت بخسائر الفرس، وكل ذلك بفضل عبقرية الإسكندر العسكرية.
لجأ الإسكندر إلى نفس أسلوب نشر الجند عندما خاض أول معركة مع داريوش الثالث سنة 333 ق.م، أي معركة إسوس، فوضع فيلق الرمّاحين في الوسط، وقد تمكنوا من خرق صفوف الفرس مرة أخرى. تولّى الإسكندر بنفسه قيادة الهجوم في الوسط، وتوجيه جيش العدو لصالحه. وفي الموقعة الحاسمة مع الفرس في گوگميلا، قام داريوش بتجهيز عرباته بمناجل على عجلاتها حتى يتمكن من خرق صفوف الرمّاحين، وزوّد مشاته برماح طويلة شبيهة برماح المقدونيين، غير أن الإسكندر تيقن لخطته، فجعل رمّاحيه يصطفون بصفوف مزدوجة يتقدم وسطها إلى الأمام على شكل زاوية، وتتفرق عندما تتجه العربات نحوها، ثم تعود لتصطف مجددًا عند نهاية الهجوم وتتابع تقدمها. كان هذا التكتيك ناجحًا للغاية، فخرق وسط الجيش الفارسي، وأرغم الشاه وجنوده على الانسحاب.
كان الإسكندر عندما يواجه جيوشًا تستخدم أساليب قتال لم يعهدها قبلاً، كما في حالة جيوش آسيا الوسطى والهند، كان يجعل قوّاته تتبنى أسلوب قتال الخصم، ومثال ذلك ما فعله في باختريا وصغديا، فقد استخدم رماته من نشابين وحملة رماح خفيفة ليحولوا دون التفاف الأعداء من حولهم، فيما حشد خيالته في المركز. وعندما واجه فيالق الفيلة في الهند أثناء معركته مع الراجا پور، جعل جنوده يفتحون ثغرات في صفوفهم حتى تدخلها الفيلة، ومن ثم إغلاقها عليها وطعن الفيّالين برماحهم الطويلة وإسقاطهم من على ظهر دوابهم.
المصادر :
مصر الخالدة: الإسكندر الأكبر في مصر
شاهد عيان على التاريخ: الإسكندر يهزم الفرس، 331 ق.م
إمبراطورية الإسكندر الأكبر وبعثاته.
تعليقات
إرسال تعليق