هو اسم لواقعةٍ جرت في الثالث عشر من عام 1906 في قرية دنشواي المصرية التابعة لمحافظة المنوفية غرب الدلتا حيث تطور الأمر بين خمسة ضباط إنجليز وفلاحين مصريين إلى مقتل عدد من المصريين بالنار بينهم امرأة، ووفاة ضابطٍ بضربة شمس. الأهم في القضية -وهو ما خلدها تاريخياً- رد الفعل الغاشم للسلطة الإنجليزية التي كان مضى ربع قرنٍ على احتلالها مصر وعلى رأسها اللورد كرومر والطريقة المتعجرفة الشنيعة في تنفيذ الأحكام. أدت التفاعلات إلى عزل كرومر وتأجيج الغضب الشعبي ضد المحتل وكل من يتعاون معه.
أرسلت كتيبة إنجليزية من مائة وخمسين فرداً من القاهرة إلى الاسكندرية وفي الطريق نزلوا للاستراحة. سأل خمسة ضباطٍ عبد المجيد سلطان كبير ملاكي المنطقة عن مكانٍ لصيد الحمام، فدلهم على دنشواي المشهورة بكثرة حمامها، وبالطبع كان الحمام لالتقاط الحب يتجمع عند أجران الغلال وهي أبراج مخروطية من اللبن تُخزّن فيها غلال الموسم.
ما يؤخذ من مجموع مصادر متعددةٍ أن إمام مسجد القرية حسن محفوظ أقبل صائحاً بهم كيلا يحترق التبن في الأجران ويأخذوا حذرهم لوجود النساء والأولاد، لكنهم لم يفهموا ما يقول وأطلق أحد الضباط عياراً أخطأ هدفه وأصاب أم صابرزوجة مؤذن المسجد، فوقعت عن الجرن وماتت في الحال، واشتعلت النار في التبن. هجم الإمام على الضابط يجذب البندقية منهُ ويستغيث بأهل البلد صارخاً: "الخواجة قتل المرأة وحرق الجرن. الخواجة قتل المرأة وحرق الجرن. تجمهر الأهالي فيما هرع بقية الضباط لنجدة زميلهم، وعلم العمدة فأرسل في الحال شيخ الخفر (أو الغفربالعامية) وخفيرين لإنقاذ الضباط، وفي خضم الهلع من الطرفين توهم الضباط بأن الخفراء سيفتكون بهم فأطلقوا النار وقتلوا شيخ الخفر. اهتاج الأهالي أكثر وحملوا على ثلاثة ضباط بالطوب والعصي قبلما يخلصهم الخفراء، والآخران -الكابتن بول قائد الكتيبة وطبيبها- هربا عدْواً نحو ثمانية كيلومترات في الحر الشديد حتى وصلا قرية سرسنا حيث وقع الكابتن طريح الأرض ومالبث أن قضى نحبه من ضربة شمسٍ بحسب تقرير الطبيب الشرعي الإنجليزي، وأما الطبيب فركض إلى المعسكر واستصرخ الجند فأسرعوا إلى الكابتن فوجدوه ميتاً وقد تجمع حوله بعض أهالي سرسنا الذين فروا لما رأوهم، فاقتفى الإنجليز أثرهم وقبضوا عليهم إلا واحداً هرب قبل أن يُشدّ وثاقه واختبأ في فجوة طاحونة تحت الأرض فلحقه الإنجليز وقتلوه شر قتلة، (في رواية أخرى أنهم رأوا شاباً محنياً عليه يريد إسعافه بشربة ماءٍ فأقبلوا عليه بالحراب طعناً حتى فضى نحبه).
كان رد الفعل الإنجليزي وبالأخص المعتمد البريطاني اللورد كرومر قاسياً جداً وسريعاً، فقد أقام محكمةً عرفيةً عقدت أولى جلساتها في 24 حزيران/يونيو بعد تحقيقٍ دام أحد عشر يوماً فقط، وقدّم 92 قرويًا للمحاكمة بتهمة القتل العمد، ألصقت التهمة بستٍ وثلاثين منهم في 28/ 6/ 1906 (خلال أربعة أيامٍ!). حُكم بإعدام الإمام حسن محفوظ وثلاثة قرويين وآخرون تراوحت أحكامهم بين الأشغال الشاقة المؤبدة (محمد عبد النبي مؤذن القرية زوج أم صابر المقتولة، وآخر) وخمس عشرة سنة وسبع سنين وسنة وآخرون بالجلد خمسين جلدةً، مع أن هيئة الدفاع ترافعت بأن تصرف الفلاحين كان عفوياً وردّ فعلٍ على ظروف الحادثة، وتقرر تنفيذ الأحكام ثانيَ يوم صدورها دونما طعنٍ وفي قرية دنشواي نفسها وأمام الأهالي. تألفت المحكمة من بطرس غالي وزير الحقانية بالإنابة رئيساً وعضوية أحمد فتحي زغلول باشا الأخ الأصغر لـ سعد زغلول(الذي كان وقتئذٍ في فرنسا لدراسة القانون وقيل قاطع أخاه بسبب قبوله عضوية المحكمة)، وعضوين إنجليزيين، وكان مدّعي النيابة إبراهيم الهلباوي. ولم تجر محاكمة لقتلة المغدورين الثلاثة من المصريين.
وللحق نجح الهلباوي ليس فقط بتبرئة ضباط الاحتلال وجنوده من القتل وحرق الأجران، وإنما أيضاً في إثبات أنهم كانوا ضحايا، وأن أهالي دنشواي هم المذنبون، ووفقاً لما نشرته الأهرام ادّعى الهلباوي في مرافعته أن:
"الاحتلال الإنجليزي لمصر حرر المواطن المصري وجعله يترقى ويعرف مبادئ الواجبات الاجتماعية والحقوق المدنية!. وقال أيضاً: "هؤلاء الضباط الإنجليز كانوا يصيدون الحمام في دنشواي ليس طمعاً في لحمٍ أو دجاج، ولو فعل الجيش الإنجليزي ذلك لكنت خجلاً من أن أقف الآن أدافع عنهم!. وقال عن الأهالي هؤلاء السفلة وأدنياء النفوس من أهالي دنشواي قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنجليز بالعصي والنبابيت، وأساؤوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنجليز بيننا خمسةٌ وعشرون عاماً، ونحن معهم في إخلاص واستقامة!.
جرى تنفيذ الأحكام بهمجيةٍ تماثل سوية العسف الذي جرى في المحكمة، فقد نفذت في القرية على مرأىً ومسمعٍ من الأهالي الذين ماخرجوا إلا دفاعاً عن أرواحهم وأملاكهم.
المصادر
Dinshaway Incident نسخة محفوظة 08 مايو 2015 على موقع واي باك مشين.
متحف دنشواى.
تعليقات
إرسال تعليق