هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر عاش كل حياته في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانت آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.
طرح إيمانويل كانت منظورا جديدا في الفلسفة أثر ولا زال يؤثر في الفلسفة الأوربية حتى الآن أي أن تاثيره امتد منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الحادي والعشرين. نشر أعمالا هامة وأساسية عن نظرية المعرفة وأعمالا أخرى متعلقة بالدين وأخرى عن القانون والتاريخ.
أما أكثر أعماله شهرة فهو كتابه نقد العقل المجرد الذي نشره سنة 1781 وهو على مشارف الستين من عمره. يبحث كانت في هذا الكتاب ويستقصي محدوديات وبنية العقل البشري ذاته. قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتافيزياء التقليدية ونظرية المعرفة الكلاسيكية. وأجمل وأبدع مساهماته كانت في هذا المجال بالتحديد. ثم نشر أعمالا رئيسية أخرى في شيخوخته, منها كتابه نقد العقل العملي الذي بحث فيه جانب الأخلاق والضمير الإنساني, وكتابه نقد الحكم الذي استقصى فيه فلسفة الجمال والغائية.
تطرح الميتافيزيقا أسئلة عديدة حول الحقيقة المطلقة للأشياء. اعتقد كانت أن بالإمكان إصلاح وتهذيب الميتافيزيقا الكلاسيكية عن طريق تطبيق نظرية المعرفة عليها. حيث زعم أنه يمكننا باستخدام هذه الطريقة مواجهة الأسئلة التي تطرحها الميتافزيقا, والأهم من ذلك أن نعرف المصادر التي نستقي منها معرفتنا وأن نعرف ماهية حدود المعرفة التي يمكن الوصول إليها.
اقترح كانت أنه بعد أن نفهم ونعرف مصادر وحدود المعرفة الإنسانية والعقلية يمكننا طرح أي أسئلة ميتافيزيقية والحصول على أجوبه مثمرة. وسأل كانت سؤالا خطيرا هو هل للأشياء والمواضيع التي نعرفها خصائص معينة سابقة على تجربتنا وعلى إحساسنا. وأجاب على ذلك بأن جميع المواضيع والأشياء التي يمكن للعقل معرفتها تتم بطريقة يختارها العقل. ويضرب مثالا على ذلك انه إذا استعد العقل للتفكير قبل أي موضوع واختار العقل التفكير بطريقة السببية فإننا بالتالي نعلم قبل ان نتعرف على أي موضوع ان الموضوع سيكون إما سببًا أو نتيجة.
ويصل كانت إلى نتيجة مفادها أن هناك مواضيع لا يمكن للعقل معرفتها عن طريق السببية. ونتيجة أخرى هي ان مبدأ السببية هو طريقة في التفكير لا يمكن ان تستقل عن التجربة والإحساس. ولا يستطيع مبدأ السببية الإجابة عن جميع الاسئلة. ويضرب مثالا للتوضيح هو هل العالم أزلي ام له مسبب. وبالتالي فإن أسئلة الميتافيزياء الأساسية لا يستطيع العقل الإنساني الإجابة عنها. لكن العقل يفهم ويعرف ويجيب عن أسئلة العلوم العادية لانها تخضع لقوانينه.
ابتدع ايمانويل كانت نظاما مبتكرا في نظرية المعرفة هو مزيج بين المدرستين التجريبية والعقلية. فأهل المدرسة التجريبية يرون أن المعرفة لا تكون إلا من طريق التجربة لا غير. اما أهل الطريقة العقلية فيرون ان نظام الشك الديكارتي وأن العقل وحده من يمدنا بالمعرفة. خالفهم كانت في ذلك حيث يرى ان استخدام العقل وحده دون التجربة لا يقود إلى المعرفة بل يقود إلى الأوهام. أما استخدام التجربة فلا يقود إلى معرفة دقيقة ولا تعترف بوجود مسبب أول الذي يعترف به العقل المجرد.
كان فكر ايمانويل كانت مؤثرا جدا في ألمانيا أثناء حياته وبعدها. فكانت نقل الفلسفة إلى مكان اخر ارفع من المناظرة والمجادلة بين الفلاسفة العقلانيين والفلاسفة التجريبيين. تأثر به الفلاسفة الألمان بعده. مثل يوهان جوتليب فيشته وفريدريك شلنغ والفيلسوف الكبير هيغل وآرثر شوبنهاور. وأسس هؤلاء ما عرف بالفلسفة المثالية الألمانية. كل هؤلاء الفلاسفة رؤوا في أنفسهم مصححين وموسعين ومطورين للنظام والفلسفة الكانتية. وهكذا ظهرت نماذج مختلفة من الفلسفة المثالية الألمانية. استمر تاثير كانت وامتد ليكون مؤثرا أساسيا في الفلسفات التي جاءت بعده. فقد كان له تاثير كبير على الفلسفة التحليلية والفلسفة الأوربية القارية.
التأثيرات على تكوين كانت الفكري كانت على ثلاث جهات دينية وسياسية وعلمية. من الناحية الدينية تربى كانت على التقاليد المسيحية المتشددة. وبالتحديد فرقة التقوية المسيحية الذي اشتق اسمها من التقوى والورع وهي حركة بروتستانتية تؤكد على التقوى والزهد والبساطة وعلى قبول المرء لحاله في هذه الحياة وفي نفس الوقت عدم الاكتراث او عدم الاهتمام بالطقوس والشعائر وعدم التعصب لها.
وعلى الجانب السياسي فقد عاش كانت في عصر التنوير وأثر وتأثر بكل معطيات ذلك العصر. بطبيعة الحال كان من المطالبين من أجل حقوق الإنسان وأكد على المساواة بين الناس وفي نفس الوقت دافع عن حكومة بلاده. وتأثر كانت في هذا الجانب تأثرا عميقا بالمفكر والسياسي الفرنسي جان جاك روسو. الذي كان يطرح في كتاباته تساؤلات عميقة عن طبيعة الأخلاق وطبيعة المجتمعات ومشكلة الافراد وفسلفة الفردية.
في جانب العلم الطبيعي درس كانت أعمال وكتابات إسحاق نيوتن التي جعل منها أساسا لمحاضراته في الفيزياء وفلسفة الطبيعية. وفي سنة 1755 نشر نظرية التناوب الشهيرة (بالإنجليزية: vortex theory) التي يوضح فيها أصل العالم ويشرح دوران وتناوب الكواكب. واليوم تعرف هذه النظرية الفيزيائية باسم فرضية كانت-لابلاس. ولابلاس المقصود هو الفلكي الفرنسي بيير لابلاس الذي طور نظرية كانت وطرح نموذجا مشابها لها لكنه طوره بعد ذلك في عام 1796.
نظرية الإدراك الحسي
شرح كانت هذه النظرية في كتابه الأشهر الذي صدر عام 1781 "نقد العقل المجرد" الذي يعتبره النقاد في كثير من الاحيان أهم مجلد فلسفي في علم الميتافيزيقا ونظرية المعرفة.
يعتقد كانت ان معرفتنا بالعالم الخارجي لها اساس في التجربة الحسيه ولكن لها أيضا اساس اخر يسميه المعارف القبلية. وفي كلامه هذا نقد ورفض للفهم التجريبي والفهم العقلي معا. ويعتبر كانت نقده هذا ثورة مشابهة لثورة كوبرنيكوس.
فكرة الله
«كان كانت من المؤمنين بالله. إلا أنه يكل الإيمان إلى الضمير ولا يعتمد فيه على البراهين العقلية التي تستمد من ظواهر الطبيعة. فالعقل في مذهب كانت لا يعرف إلا الظواهر الطبيعية Phenomena ولا ينفذ إلى حقائق الأشياء في ذواتها Noumena.» عباس العقاد.
«أين نجد إذا هذا المبدأ المتعالي على التجربة؟ أنجده في الدين والأوامر الإلهية، وهي سلطة خارجة عن العقل؟... إنما نريد مبدأ آخر جديدا يعلو على التجربة ويفوقها، لكنه من جهة أخرى لا يخرج عن العقل ونطاق ذاتيته. ووجد كانت هذا المبدأ، وسماه "الواجب"» عبد الرحمن بدوي.
ذكر كانت في كتابه نقد العقل العملي عن ضرورة الاعتقاد بوجود الله. وان وجود الله فكرة يبعثها العقل المجرد. لكن كانت يقول بالنص الذي يبدو عائما ومموها : ليس لدينا سبب وجيه يدفعنا للتسليم بهذه الفكرة تسليما مطلقا. ثم يحوال تلطيف هذا التصريح بقوله ان فكره الله لا يمكن عزلها عن فكره السعادة وفكرة الفضيلة وان فكرة الله مرتبطة دائما بمفهوم المثال الاسمى او مفهوم الخير.
والربط بين هذه المفاهيم اساسي جدا لايجاد عالم ذا اخلاق. وهذا الربط ضروري من الناحية العملية أيضا. ويدل على هذا قول الفيلسوف الفرنسي فولتير: "لو ان الله ليس موجودا فسيكون ضروريا اختراعه".
في كتابه "محاضرات في المنطق" الذي نشر سنة 1800 كتب كانت: "لا يمكن لأحد منا تقديم حقيقة موضوعية لأي فكرة نظرية أو تقديمها عدا فكرة الحرية لأن هذا شرط القانون الأخلاقي الذي حقيقته مسلمة. حقيقة فكرة الله يمكن أن تقدم فقط بطريقة هذه الفكرة، من ثم فقط مع غاية عملية، مثلا التصرف كما لو الله موجود، من ثم فقط لهذه الغاية".
أهم مؤلفاته
نقد العقل الخالص
نقد العقل العملي
نقد القدرة على التحكيم
مقالة من أجل سلام دائم
المصادر
إيمانويل كانت
فلاسفة ألمان في القرن 18
تعليقات
إرسال تعليق