برتراند أرثر ويليام راسل فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني. في مراحل مختلفة من حياته، كان راسل ليبرالياً واشتراكياً وداعية سلام إلا أنه أقر أنه لم يكن أياً من هؤلاء بالمعنى العميق. وعلى الرغم من قضائه معظم حياته في إنجلترا، وُلد راسل في ويلز حيث توفي عن عمر يناهز سبعة وتسعين عاما.
قاد راسل الثورة البريطانية "ضد المثالية" في أوائل القرن العشرين. يعد أحد مؤسسي الفلسفة التحليلية إلى جانب سلفه كوتلب فريج وتلميذه لودفيش فيتغنشتاين كما يعتبر من أهم علماء المنطق في القرن العشرين. ألف بالشراكة مع أي. إن. وايتهيد مبادئ الرياضيات في محاولة لشرح الرياضيات بالمنطق. وتعد مقالته الفلسفية عن التدليل نموذجا فكرياً في الفلسفة. ولا زال لعمله أثراً ظاهراً على المنطق والرياضيات ونظرية المجموعات واللغويات والفلسفة وتحديدًا فلسفة اللغة ونظرية المعرفة والميتافيزيقيا.
كان راسل ناشطاً بارزاً في مناهضة الحرب وأحد أنصار التجارة الحرة ومناهضة الإمبريالية. سجن بسبب نشاطه الداعي للسلام خلال الحرب العالمية الأولى. قام بحملات ضد أدولف هتلر وانتقد الشمولية الستالينية وهاجم تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام كما كان من أنصار نزع الأسلحة النووية.
حاز عام 1950 على جائزة نوبل للأدب "تقديراً لكتاباته المتنوعة والمهمة والتي يدافع فيها عن المثل الإنسانية وحرية الفكر".
خلال أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين شارك راسل في عدد من برامج البي بي سي وبالتحديد أهل المعرفة والبرنامج الثالث حول مواضيع فلسفية متنوعة. وبحلول هذا الوقت أصبح لراسل شهرة عالمية تتعدى الدوائر الأكاديمية حيث كان موضوع وكاتب العديد من مقالات الصحف والمجلات كما كان رأيه مطلوباً في كثير من المواضيع والتافهة منها أيضاً. وفي طريقه إلى أحد محاضراته في ترودنهم، كان راسل أحد 24 ناج من مجموع 43 راكباً لطائرة سقطت في هوملفيك أكتوبر 1948. تصدر تاريخ الفلسفة الغربية (1945) قوائم الكتب الأكثر مبيعاً ووفر لرسل دخلاً ثابتاً لما تبقى من حياته. وفي كلمة عام 1948، قال راسل أن في حال استمرار العدوان السوفيتي سيكون من الأسوء أخلاقياً دخول حرب مع الاتحاد السوفيتي بعد امتلاكه قنبلة نووية من قبل ذلك لأن عدم امتلاكه قنبلة سيعجل في نصر الغرب وسيحد من عدد الضحايا مقارنة بالوضع في حال امتلاك كلا الجانبين القنبلة. في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة وحيدة في امتلاكها قنبلة نووية واتبع الاتحاد السوفيتي سياسة غاية العدائية نحو دول أوروبا الشرقية التي كانت يستوعبها في محور نفوذه. فسر الكثيرون كلام راسل بأنه يدعم توجيه الضربة الأولى إلى الاتحاد السوفيتي بما فيه لاوسون والذي كان حاضراً أثناء كلمة راسل. حصل أخرون، ومنهم غريفن، على نص الكلمة وقالوا أن راسل لم يكن إلا يفسر قيمة ترسانة أمريكا النووية في ردع الاتحاد السوفيتي من مواصلة هيمنته على أوروبا الشرقية.
واصل راسل الكتابة عن الفلسفة. كتب مقدمة كلمات وأشياء لإرنست غلنر الذي انتقد بشدة فكر تلميذ راسل لودفيش فيتغنشتاين وفلسفة اللغة العادية. رفض جيلبرت رايل مراجعة الكتاب للدورية الفلسفية العقل الأمر الذي دعى براسل إلى الكتابة إلى التايمز. وكانت النتيجة مراسلات استمرت شهراً على صفحات التايمز ما بين أنصار ومعارضي فلسفة اللغة العادية انتهت بافتتاحية للتايمز عن الموضوع التي انتقدت الطرفين لكن انتصرت لمعارضي الفلسفة.
وفي كذا، نال وسام الاستحقاق وحاز في العام التالي على جائزة نوبل للأدب. وحين منح وسام الاستحقاق، كان الملك جورج السادس ودوداً ولكن محرجاً قليلاً لتكريم سجين سابق قائلاً، "تصرفت أحياناً على نحو لن يليق إذا تبنه العموم." ابتسم راسل وادعى لاحقاُ أن الرد "تماماً، مثلي مثل أخيك" حضر إلى ذهنه.
تطلق راسل عام 1952 من سبنس التي كان تعيساً معها. ولم ير كونراد، ابن راسل من سبنس، أباه منذ طلاقه حتى 1968 وأدى قرار الابن رؤية أبيه إلى قطيعة تامة مع أمه.
بعد طلاقه سرعان ما تزوج راسل رابع زوجاته إديت فينش بتاريخ 15 ديسمبر 1952. عرفا بعضهما منذ عام 1925 حين كانت إديث تدرس الإنجليزية في براين ماور كولج قرب فيلادلفيا في بنسلفانيا وسكنت عشرين سنة مع صديقة راسل المقربة لوسي دونولي. ظلت إديث معه حتى وفاته، وحسب كل الروايات، كان زواجهما سعيداً وثيقاً ملؤه المحبة. عانى جون ابن راسل البكر من أمراض عقلية خطيرة الأمر الذي كان مصدر خلافات دائم بينه وبين طليقته دورا. كانت زوجة جون سوزان أيضاً مختلة عقلياً وأخيراً أصبح راسل وإديث الأوصياء على بناتهم الثلاثة (اثنتان كانت مصابتان بشيزوفرينيا).
لعب راسل عام 1962 دوراً في أزمة الصورايخ الكوبية حيث أكد له قائد الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروتشوف عدم تهور الاتحاد في سلسلة من البرقيات.
وجه راسل رسالة إلى الرئيس كينيدي الذي أعاد برقيته دون أن يفتحها.
قضى خمسينيات وستينيات القرن العشرين في خدمة قضايا سياسية متنوعة وتحديداً نزع الأسلحة النووية ومعارضة الحرب في فيتنام (انظر محاكمة راسل لجرائم الحرب). وكان بيان راسل-أينشتاين عام 1955 وثيقة تدعو إلى نزع الأسلحة النووية وتحمل توقيع 11 من أبرز علماء الذرة والمفكرين. ووجه راسل العديد من الخطابات إلى زعماء العالم خلال هذه الفترة. وكان راسل على اتصال مع ليونل روجسن حين كان الأخير يصور المعادي للحرب أوقات جيدة، أوقات عظيمة خلال الستينيات. وأصبح راسل بطلاً في نظر العديد من شباب اليسار الجديد. أصبح راسل أول من تلقى جائزة القدس عام 1963 وهي جائزة تمنح للكتاب المعنيين بحرية الفرد في المجتمع. مزق راسل بطاقة عضويته في حزب العمال في أكتوبر 1965 خشية قيام الحزب بارسال الجيش إلى فيتنام دعماً للولايات المتحدة.
في مقالة بعنوان "عن إسرائيل والقصف" كُتبت عام 1970، قال راسل:
".. مأساة شعب فلسطين هي إعطاء بلادهم بقوة خارجية لشعب آخر من أجل بناء دولة جديدة. إلى أي حد سيتحمل العالم عازماً رؤية هذه المشهد من القسوة الوحشية؟ إنه واضحٌ بما فيه الكفاية أن اللاجئين لهم كل الحق في أرض وطنهم من حيث تم استياقهم، وإنكار هذا الحق هو جوهر الصراع الدائم. لا يوجد شعب في العالم في أي مكان يمكن أن يتقبل طرد الناس بكميات من بلادهم؛ وكيف يستطيع أي شخص أن يجعل الفلسطينين أن يقبلوا بعقابٍ لايتسامح فيه أي شخص؟ إن التوصل لتسوية دائمة عادلة للاجئين في وطنهم عنصر أساسي لأي تسوية حقيقية في الشرق الأوسط. قيل لنا مراراً وتكراراً "أنه يجب التعاطف مع إسرائيل وذلك بسبب معاناة اليهود في أوروبا على أيادي النازيين." ماتفعله إسرائيل اليوم لا يمكن التغاضي عنه، ولإثارة أهوال الماضي لتبرير أهوال الحاضر فهو نفاق عظيم. وليس فقط تحكم إسرائيل على عدداً كبيرا من اللاجئيين بالبؤس، وليس فقط العديد من العرب تحت ظل الاحتلال يحكم عليهم بالحكم العسكري؛ ولكن تدين إسرائيل الأمم العربية التي خرجت حديثاً من الحكم الاستعماري لتفقرهم عن طريق المتطلبات العسكرية عوضاً عن التنمية الوطنية.
كل من يريد أن يرى نهاية سفك الدماء في الشرق الأوسط يجب أن يؤكد أن أي تسوية لاتحتوي على بذور صراع مستقبلي. تتطلب العدالة خطوة أولى تجاه تسوية وبالتأكيد هي تكون بالتراجع الإسرائيلي من كل الأراضي المحتلة في يونيو عام 1967، حملة عالم جديد مطلوبة لتساعد في جلب العدالة للمعانين منذ فترة طويلة في الشرق الأوسط."
آراؤه حول الفلسفة
ينسب الفضل عموماً إلى راسل كأحد مؤسسي الفلسفة التحليلية. كان راسل من أشد المعجبين بغوتفريد لايبنتز (1646-1716) وكتب في كل مجال فلسفي رئيسي فيما عدا علم الجمال. امتاز راسل بغزارة الإنتاج وخاصة في مجالات الميتافيزيقيا والمنطق وفلسفة الرياضيات وفلسفة اللغة والقيم ونظرية المعرفة. وعند سؤال براند بلانشارج راسل عن سبب عدم كتابته عن علم الجمال أجاب الأخير أنه لا يعلم الكثير عنه دون أن يكون ذلك عذراً جيداً إلا أن أصدقائي يقولون أن هذا لم يمنعن من الكتابة في مواضيع أخرى.
آراؤه حول الدين
يصف راسل نفسه بأنه لا أدري حين يتحدث إلى جمهور فلسفي بحت، ولكنه ملحد "حين يتكلم إلى الرجل العادي في الشارع، يرى راسل أنه لا يستطيع دحض الإله المسيحي - على غرار الطريقة التي لا يستطيع بها دحض الآلهة الأولمبية. بالنسبة لمعظم حياته البالغة، حافظ راسل على وجهة نظره أن الدين هو أكثر قليلا من الخرافات، وعلى الرغم من أي آثار إيجابية قد يقدمها الدين، هو ضار إلى حد كبير على الناس. وأعرب عن اعتقاده بأن الدين والنظرة الدينية تعملان على إعاقة المعرفة وتعزيز الخوف والاعتمادية، وهي مسؤولة عن الكثير من حروب العالم والقمع والبؤس. وكان عضوا في المجلس الاستشاري للجمعية الإنسانية البريطانية ورئيس انسانيين كاردييف حتى وفاته.
آراؤه حول المجتمع
استنفذ نشاطه السياسي والاجتماعي جل وقته خلال شطر كبير من حياته مما جعل كتاباته الرائدة في مجال واسع من المسائل الفنية وغير الفنية أكثر جدارة بالانتباه. حافظ راسل على نشاطه السياسي حتى أخر عمره تقريباً حيث كان يكتب إلى قادة العالم ويوبخهم ويضم اسمه لنصرة قضايا مختلفة. ومن مأثور ما قاله "لا يستطيع أحد الجلوس إلى جانب سرير طفل يحتضر ويحتفظ بإيمانه بالله.مشكلة العالم أن الأغبياء والمتشددين واثقون بأنفسهم أشد الثقة دائما، أما الحكماء فتملأهم الشكوك.
نشر راسل سيرته الذاتية في ثلاثة مجلدات في 1967 و1968 و1969. كتب في 23 نوفمبر 1968 إلى التايمز قائلاً أن التحضير من أجل المحاكم الصورية في تشيكوسلوفاكيا كان مقلقاً للغاية. في الشهر نفسه ناشد راسل الأمين العام للأمم المتحدة لدعم لجنة جرائم حرب دولية للتحقيق في جرائم الولايات المتحدة المزعومة في جنوب فيتنام. في الشهر التالي، احتج للأكسي كوسجين على طرد ألكسندر سلوزنستن من اتحاد الكتاب. في 31 يناير 1970، أصدر راسل بياناً يدين العدوان الإسرائيلي في الشرق الأوسط داعياً إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967. وكان هذا البيان أخر موقف سياسي لراسل. وكان قد قرأ في المؤتمر الدولي للبرلمانيين في القاهرة يوم 3 فبراير 1970 يوماً بعد وفاته.
توفي راسل إثر إنفلونزا حادة في 2 فبراير 1970 في منزله في بلاس بينرهن في بنهرنديدرث في ميريتنشاري في ويلز. أحرقت رفاته في كلوين باي في 5 فبراير 1970. وحسب وصيته، لم تقم احتفالية دينية ونثر رماده على الجبال الويلزية لاحقاً ذاك العام.
في عام 1980، أقيم نصب تذكاري لراسل بتكليف من لجنة ضمت أي. جي. أير. ويتألف النصب من تمثال نصفي لراسل في ميدان ريد ليون في لندن نحته مارسل كوينتن.
المصادر
بيرتراند راسل على موقع IMDb
أعمال أو نبذة عن بيرتراند راسل على أرشيف الإنترنت
تعليقات
إرسال تعليق