فيلسوف يوناني في عصر ما قبل سقراط. كتب بأسلوب غامض، يغلب طابع الحزن على كتاباته، ولذا، عُرف بالفيلسوف الباكي. تأثر بأفكاره كل من سقراط و أفلاطون و أرسطو. قال بأن النار هي الجوهر الأول، ومنها نشأ الكون. وقال أيضاً بـ التغيّر الدائم. يصعب تحديد تاريخ حياته بدقة، وقد وضع كتاباً وحيداً، لم يصلنا منه غير شذرات. ولا يعرف المؤرخون عن حياته إلاّ القليل. ولا يكاد يُعرف عنه غير أنه كان من الأسرة المالكة في مدينة أفسس بمنطقة آسيا الصغرى.
كان هرقليطس مشهورًا لإصراره على أن الوجود في تغير دائم باعتبار التغير هو الجوهر الأساسي في الكون كما جاء في قوله: «لا يخطو رجل في نفس النهر مرتين أبدًا». يعتبر ذلك إحدى النقاشات الأولى لمفهوم الصيرورة الفلسفي، وقد تعارض مع كلام بارمينيدس القائل بأن: «يبقى المرء على ما يكون عليه». وتلك إحدى النقاشات الأولى في مفهوم الكينونة الفلسفي. وبذلك يمكننا اعتبار بارمينيدس وهرقليطس اثنين من مؤسسي علم الوجود. يعتقدُ العلماء بشكل عام أن بارمينيدس كان يرد على هرقليطس أو هرقليطس يرد على بارمينيدس، وكان موضوع من كان يرد على يتغير على مدار القرن العشرين. اكتملت رؤية هرقليطس من خلال التزامه الكامل بفلسفة وحدة الأضداد (قسم من الفلسفة الجدلية) مشيرًا إلى أن «الطريق إلى الاعلى او الاسفل هو نفسه». نظّم هرقليطس من خلال هذه الفلسفة جميع المعطيات الموجودة على شكل أزواج من الخواص المتعاكسة، حيث لا يجوز على الإطلاق لأي كيان أن يوجد بحالة واحدة في وقت واحد.
يقول ديوجانس أن أعمال هرقليطس كانت «دراسة متواصلة حول الطبيعة، ولكن تم تقسيمها إلى ثلاثة مجالات إحداها عن الكون وأخرى عن السياسة والأخيرة عن اللاهوت». يقول ثاوفرسطس: «بعض أعماله غير مكتملة، في حين أن أجزاء أخرى منها هي اعمال غريبة جدًا».
قال ديوجانس أيضًا أن هرقليطس سخّر كتاباته بشكل كامل لمعبد أرتميس الكبير. يعدُّ معبد آرتميسيوم أحد أكبر المعابد في القرن السادس قبل الميلاد وأحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم. كانت المعابد القديمة تستخدم بشكل دائم لتخزين الكنوز، وكانت تفتح لأشخاص محددين تحت ظروف استثنائية. وقد درسَ العديد من الفلاسفة اللاحقين في تلك الفترة إعمال هرقليطس. يقول خان: «حتى وقت بلوتارش وإكليمندس (إن لم يكن بعدهم) كان كتاب هرقليطس الصغير متاحًا في نسخته الأصلية لأي قارئ يريد البحث فيه». وقال ديوجانس: «اكتسب الكتاب شهرة كبيرة بسبب حشده اتباع لفلسفته وكان يطلق عليهم لقب هيرقليطسيين».
كما هو الحال مع جميع الكتابات ما قبل سقراط فإن ما تبقى منها الآن فقط مقاطع صغيرة مبعثرة مقتبسة من قبل مؤلفين آخرين يتم فهرستها باستخدام نظام ترقيم (Diels–Kranz).
اشتهر هرقليطس بالغموض، فقيل عنه "الفيلسوف الغامض". وشاع هذا القول في كل العصر اليوناني و الروماني، والسبب في ذلك أنه كان يطيب له المفارقات والأقوال الشاذة، وكان يعبر عنها بلغة مجازية رمزية. و من هنا لقبه تيمون الفليوسي (300 ق. م) بلقب "صاحب الألغاز". ويقول عنه أفلوطين: "كان يتكلم بالتشبيهات، ولا يعنى بإيضاح مقصوده".
المصدر
موسوعة الفلسفة، الدكتور عبد الرحمن بدوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1 1984، الجزء الثاني.
الفيلسوف الغامض، داريوش درويشي، آبادان، پرسش، ط 1، 2012.
تعليقات
إرسال تعليق