مواجهة هذا العنوان قد يُدم أو يتعجب أو يُسر أو يرثي لكاتبه اشفاقاً على ذكائه وسذاجته.
لهذا آمل من القارئ ألا يكون قاسياً أو سريعاً في حكمه، وأن يتفضل بوقف انفعالاته ويوقف رثائه واشفاقه وكذلك تعجبه وسروره وذهوله حتى يرى ان اسرائيل حقاً ليست موجودة، وإنها لم توجد قط مهما هزمت الجيوش العربية ثلاث مرات ومهما استمرت اسرائيل تعيش انتصاراتها الثلاثة واستمرت الشعوب والجيوش العربية تعيش هزائمها الثلاث.
إن اسرائيل ليست اسرائيل لكنها هي العالم العربي قد جاء في صيغة أخرى. أنها في التفسير للعالم العربي.
منذ خمسة وعشرون عاماً وكل اهتمامات العرب وهمومهم وخطوبهم ومرتمراتهم وجيوشهم واستعداداتهم وتحدياتهم وانذاراتهم وصيحاتهم وغضباتهم ومخاوفهم، وكل قراءاتهم وتفاسيرهم للتاريخ وللمستقبل، وكل تطلعاتهم إلى التاريخ وإلى المستقبل، وكل هتافهم بالنجوم وبالسماء وبالغيب وبالمجهول وبالآباء والقبور وبالأوهام وبكل شيء ..
نعم، منذ خمسة وعشرين عاماً والعرب يعيشون ويعدون كل ذلك ليقاتلوا ويهزموا ويواجهوا ويخيفوا به وهماً من الأوهام أو شبحاً من الأشباح هو اسرائيل التي هي غير موجودة والتي لم توجد فط، إنما وجد العرب في صيغة تحولت إلى وجود لأسرائيل.
كل الخوف من اسرائيل والتخويف بها والوعظ ضدها وقراءة الاذكار والكتب المقدسة والتضرع إلى الآلهة للنجاة منها .. وكان ذلك شبه ما تفعل المنابر والمحاريب الدينية تحصناً من فتكات الشيطان. إن الشيطان لم يوجد وانما وجد الإنسان في صيغة تحولت إلى وجود للشيطان، وإن اسرائيل لم توجد وإنما وجد العرب في صيغة وجود لاسرائيل!
نعم، إن اسرائيل بالنسبة للعرب ليست موجودة ولا يمكن أن تكون موجودة.
إنها مهما كانت موجودة وخالدة وقوية وضخمة ورهيبة ومتطورة جداً وعلمانية وفنية بلا قياس وبلا نموذج. أجل، إنها مهما كانت كل ذلك وأكثر من كل ذلك فهي بالنسبة إلى العرب ليست موجودة ولا يمكن أن توجد بالنسبة إليهم.
_ عبد الله القصيمي
_ مقالة : اسرائيل ليست موجودة
_ من كتاب : لئلا يعود هارون
تعليقات
إرسال تعليق